Thursday, April 30, 2009

...كافيين...

خرجت الى حديقتها الصغيرة بعد انقضاء فترة الغذاء وما يعقبها من إعادة ترتيب للمنزل وخلافه وبعد أن حملقت الصغيرة فى مقدمة الفيلم الكرتونى الطويل وجلس طفلاها الكبيران الى فروضهما الهيروغليفية وقبل أن يطلبا منها تقمص شامبليون
حدثت نفسها بأنها فرصة رائعة للإحساس بهذا الربيع الذى يتحدثون عن قدومه ويهنئون بعضهم البعض من أجله ..ولأن ساعتها الصيفية المحببة قد سارت عقاربها فى سلام .وصار فى إمكانها الاستمتاع ببقايا ظلال شمسها الغائبة دائما عن مستطيل حديقتها الضئيل
حاولت كعادتها حسن استغلال الفرصة...هرولت الى الداخل لإعداد النسكافيه واحضار واحدا من الكتب اليائسة من انتظار دورها فى التصفح وليس القراءة
بدأت بوضع ملعقة ونصف من السكر فلا أمل فى هذا الدايت المزعوم من أن تتعود تقليله..تنظر الى حبات السكر ترشها من أعلى وكأنها تتقافز ضاحكة فوق ميزانها الملعون الذى يأبى أن يحرك مؤشره المتثاقل لفترة طويلة
تطرد التفكير فى الأمر بشغل يدها فى محاولة دمج النسكافيه بالسكر بسرعة وباتجاه واحد يساعدها فى صنع رغوة عالية تنجح فى رسم شارب
اندمجت مع خليطها وانتفشت كتلك الرغوة الباحثة عنها حين تذكرت كلمات إعجاب زوجها واستحسانه للقهوة الى تميزت دوما فى إعدادها .ثم ضحكت حين تذكرته يرفع إحدى حاجبيه قالبا شفتيه امتعاضا بعد أول رشفة من كوب شاى فشلت فى إعداده
خرجت فى إحدى يديها "مج" تهتز الرغوة على وجهه وفى الأخرى كتاب حفظت عنوانه وصورة غلافه عن ظهر قلب ولم تعرف لون صفحات الكتاب أو تلمس جودة أوراقه
وحين همت بالجلوس وجدت ان الوسائد عليها من التراب ما يكفى لتحالفه مع حبوب لقاح الربيع لإصابتها بنوبة أخرى من الحساسية هى فى أشد الغنى عنها هذه الأيام
أتت بالمكنسة لشفط التراب فلا يجوز لها نفضه ليطير نصفه فى الهواء والنصف الآخر فى شعبها الهوائية.. وكذلك فعلت مع الحب المتناثر من طعام العصافير التى علا صوتها وهى تناجى الغروب ألا يحين
ثم أعادتها فى غفلة من ابنتها الصغيرة كى لا تلمحها فتهرول الى الخارج تصيح كعادتها بأعلى صوت وينتهى الأمل فى اللحظات الهادئة
جلست لتجد أن مشروبها أصبح باردا .والقهوة الباردة هى أكثر ما يثير غيظها ويدفعها الى العصبية
دخلت مرة ثانية لتسخينها حزينة على فقدان رغوتها .
وفى طريقها رن الهاتف.. أخذته معها واستمعت الى عتاب صديقتها وكلماتها المتلاحقة لا تعرف لها صدا ولا ردا
اعترفت بتقصيرها ..واعتذرت ..أحيانا يكون الإعتذار وحتى دون وجه حق للآخر هى الوسيلة الوحيدة لانهاء العتاب ..فقد ملت التبرير لغيرها كما ملته لنفسها
زهدت فى هذا النسكافيه المقدر لها ألا تشربه
فتناولت كيسا من المقرمشات أتاها به ابنها من المدرسة كهدية من مصروفه
وخرجت علها تلمح خيطا من لون سماوى حلمت أن تراه قبل بدء الليلة
لكن الأقدار لم تشأ ان تمنحها تلك الأمنية
جلست فى ظلال الورق الأخضر تشوبه اضاءة صفراء مزعجة
فأمالت برأسها الى الوراء وسرحت بأفكارها
تبدلت ملامح وجهها ما بين الابتسام وقطب الجبين والضحك ثم عقد الحاجبين . ثم أغمضت عينيها لتجتذب واحدة من الذكريات الجميلة وأحكمت غلق جفونها وكأنها تمنع تسرب اللقطات
ظبطت نفسها تتسائل.. لماذا تريد الأمثل من كل شىء!؟
ولا تريد ان تتخلى عن أحد طقوسها وكأنها لا تعرف الإستمتاع باللحظة دونما هذا الترتيب الذى قد يحيل الأمر الى فرض يخرج فى النهاية مشوها أو غير مكتملا!؟
هى تعرف أن الروتين ممل وأن التغيير مطلوب ..لكنها حتى فى جنونها تتعمد الأشياء
متى تتركها تسترسل وترتجل .. تنطلق وترتحل..تحجم فتتهادى أو تتربص فتنفعل
كل هذه الانفعالات متاحة طالما أنها فى حيز المسموح والمقبول
فتحت عيناها على وجه أطفالها ...فقد اتفقوا على قضاء بعض الوقت بجانبها دون إزعاج.. طبعا الصغيرة لم تكن حاضرة هذا الاتفاق
هبت من مكانها وطلبت منهم ارتداء ملابسهم سريعا للخروج للتمشية بالخارج بعد أخذ الاذن من "بابا"
صاح الأولاد .
بس النهاردة مش الخميس ولا الجمعة !!!؟
عارفة... تغيير ...كسر الروتين
يعنى ايه روتين يا ماما
هههههه
يعنى رخامة
دوى صوت الباب وهى تغلقه....لحظات من الصمت ..ثم صوت مفتاحها فى الباب
فقد عادت الى الداخل لتشرب النسكافيه البارد جدا فى سرعة قبل أن تعود للخارج
بعض الكافيين اليومى الروتينى لن يضير..حتى وإن فقد حرارته أو ضاعت رغوته ..
فهو لا يزال... كافيين