Friday, October 22, 2010

ليلة هادئة



أمرتهم أن يأووا إلى الفراش حين تخطت الساعة الحادية عشر
أعددت قهوتى وذهبت لفراشى ..لا لكى أنام وإنما لأبدأ قراءة تلك الرواية التى وجدتها فى الصباح فى إحدى حقائبى القديمة .لم أذكر عنوانها وإنما شدتنى صورة الغلاف ..فكان وجهاً مرسوماً لفتاة جميلة ذكرتنى بتلك الجميلات  على أغلفة روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعى
حاولت أن أتذكر من أين جئت بهذا الكتاب ولم أفلح
المهم أنى عزمت على قرائته ليلاً بعد نوم أطفالى وقبل مجىء زوجى من عمله
أحسست منذ الصباح أنها بلا شك ستكون  ليلة هادئة 
وما أن تهيأت فى فراشى للقراءة مع شرب القهوة تحت غطاء خفيف حتى سمعت صوت "خروشة" أفزعتنى.. فأول ما يبادر إلى ذهنى دائماً عند سماع أصوات أن فأراً قد عرف طريقه إلى بيتى .إنها تلك الفوبيا التى تحرجنى دائما وتسبب لى الخجل حتى أسمانى البعض "لينا" وصارت حكاياتى مع الفئران لديهم مستهل كل حديث عند كل زيارة
.قمت فزعة ووقفت على حافة فراشى أنظر حولى فى كل اتجاه ، استعددت للبكاء والنحيب مقدماً .. فعلىّ الآن أن أوضب أغراضى وأهرع الى بيت أمى ثانيةً ..ولكن ماذا عسانى أفعل بأمر مدرسة الأولاد  ، الأولاد أيضاً نائمون .. فمن اذن سيناولنى هاتفى المحمول الذى نسيته بالخارج على منضدة السفرة !! وكيف لى الآن أن أحدث  زوجى وأطلب منه العودة سريعاً
بدأت بالحديث الى نفسى ..شكوى ونحيب يتخلله استغفار ودعاء ، بسملة وحوقلة  .. إنه الهم الأكبر الذى يواجه كل امرأة.. قد لا يشعر بحجمه الرجال ولا بخطورته
فبغض النظر عن أهمية تنظيف كل أغراض المنزل غرضا غرضا .. وأدوات المطبخ بدءاً من معالق الشاى حتى الأوانى الضخمة بعد انتهاء تلك الغمة
فالهم أكبر .. حيث رؤية الملعون قد تصيبنا بالهلع الحقيقى .. أشعر أن قلبى يكاد يتوقف عند رؤيته ولا أعرف لصرخاتى مدى ولا أملك كظم رهبتى..ويهيأ لى عند خروجى من البيت أن من يجلسون بالقرب من بابى ينظرون لى شذراً ويضحكون فى داخلهم ...لكم أكره جلستهم بقرب باب بيتى ..لكنه الظل الذى يتحججون به دائما ، ولعملهم كعمال جراج فهم يصرون على حراسة سيارتنا ومسحها دائما كرد للخدمة الجليلة ... زوجى أيضاً يعتبرها حراسة ضمنية لسور البيت وهو ما يطمئنه علينا حين يغيب ليلاً ،  فكرت مراراً بمنحهم "انتريه" كامل يجلسون عليه أمام منزلى بشرط أن يمنعوا دخول أى فأر متطفل ... يقولون أنهم يرونه دائما يجرى فيدخل تحت عقب الباب الحديدى ليجرى فى الممر الى نهايته فى الغالب ثم يعود أدراجه .. ما ذكروه حرمنى الخروج ليلاً وحدى إلى تلك المسماة بالحديقة والتى لا ترقى لكونها مصغر حديقة ..لكن بعض الشجر وزهر الياسمين المتناثر بها ورائحة شجرة مسك الليل أقنعتنى بذلك
مازلت أقف على حافة الفراش أصدر ذلك الأنين المصحوب بشهقات عالية تخرج رغما عنى
عموماً فأنا أفضل حالاً بالتأكيد من ذلك اليوم الذى استندت فيه إلى الحائط ولم أستطع الكلام ولا الحركة ..حاولت أن أصرخ يومها طلباً للإستغاثة فخاننى صوتى .. لم أنس قط ذلك الاحساس المميت فلم يسبق أن شُلت حركتى إلا فى كوابيس الزومبى والإليانز  
حاولت أن أهدىء من روعى كى أحدد مكان ومصدر الصوت .. فأحدد وجهتى التى سأهرول اليها
لاشىء ... بعض اللحظات الصامتة ترعبنى ولا تبعث بى الطمأنينة .. حاولت إقناع نفسى بما كان يحاول زوجى إقناعى به سابقاً ..إنها تهيؤات تعاودنى كل فترة .. تنتابنى كحالات الشيزوفرينيا التى تنتاب أصحابها حين تتدهور حالتهم النفسية ..لابد وأن أن المذاكرة  مع الأولاد وصعوبة تنظيم الوقت بين الثلاث أولاد والبيت ومهامى الأخرى تصيبنى بالضيق فلا أجد متنفس إلا فى استدعاء الفوبيا الكامنة ...كلام معقول .. لكنه فشل فى إقناعى فى كل مرة أرى فيها هذا المخلوق يجرى أمام عينى ولا يراه غيرى للأسف ..فتستحيل فكرة ان أضحك على نفسى لهذه الدرجة ..
كما يقولون فاللى يخاف من العفريت يطلعله ..وهذا الشىء لا يظهر إلا لى وحدى دائما ..
عاودت الإنصات لعلى أسمع شيئا ..وبعد برهة قصيرة سمعت الصوت واضحاً صادرًا من اتجاه باب غرفتى المطل على الخارج .. بعض من الصرخات انطلقت عالية تصحبها قفزات رشيقة على حافة الفراش  فاقت قفزات باليرينا محترفة ..تخيلت لوهلة أن أطفالى سينهضوا مفزوعين وأن الناس خارج منزلى سيتأهبون للقبض على حرامى ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث ..  ما حدث كان أعجب .. فالصوت مستمر رغم الضوضاء التى أصدرتها ...ومن خبرتى السابقة فتلك المخلوقات لا تصدر أصواتا أثناء الضوضاء..
قررت أن استجمع شجاعتى وأنزل على ركبتى على الفراش فى مواجهة الباب .. ولم أجد غير الكتاب الذى كنت أنوى قرائته لأقذف به الستائر المسدلة على الباب الزجاجى فيهرب من تحتها ما أخشاه حتى يتسنى لى أن أفتح الباب أو انظر خلاله الى الخارج
لن أستطيع وصف ذلك الشعور الذى انتابنى فقد كان مزيج من فخر بنفسى لتلك الشجاعة العظيمة المرتقبة  يخالطه خوف ورهبة من أن أجد مالا أتوقعه ..فتصرفى سيكون غير مسئولا بلا شك ..ولا أضمن أبدا تبعاته
ألقيت بالكتاب فطار فى الهواء حتى سمعته يرتطم بالباب من خلف الستارة .. لم يحدث شيئا ..ولم يجد جديد
قررت أن أسرع فى خطتى فلا يفشل التردد ما انتويته.. ولحسن حظى فإن المصباح الخارجى كان مضاءاً فلم اضطر الى فتح الباب ..ومن خلال الزجاج وجدت كيساً فارغاً من "الشيبسى"  ألقاه أحد الأوغاد .. الجبناء..  الحمقى.. قطاع الطرق ، فطار بفعل الرياح الى بابى واستمر فى التحرك مصدراً ذلك الصوت البغيض
تنفست الصعداء ...وعدت إلى فراشى ، انتظرت إلى أن هدأت دقات قلبى  ثم أخذت الكتاب وأعدته الى الحقيبة فقد انتهى أمره وقررت ألا أقرأه على الإطلاق ... تناولت قهوتى لأعيد تسخينها ، من الجيد أن تكون القهوة باللبن فيسهل تدفئتها .
.ذهبت الى المطبخ أتقافز من السعادة وانا أفكر من أين أبدأ سرد قصتى الشجاعة لزوجى حين يعود .. وكيف أن ليلتى  ملأتها الإثارة بعكس ما توقعت لها من هدوء .غير أنى لم أستطع إكمال طريقى قفزاً .. فقد آلمنى ضهرى بعد  حركات الجمباز التى أديتها ببراعة فوق فراشى ..