Monday, July 19, 2010

عسل أسود ...أسود


أشعرنى برومو الفيلم بالضيق منذ اللحظة الاولى... وتخيلت أن إحساساً "رذل" سيتملكنى بعد مشاهدته .. أفهم تماما أننا أحياناً لا نرغب فى المواجهة .. تكفينا لمحات ندركها عنوة ..نبتسم  وكأن الأمر لم يعد يعنينا .. نهرب من مواجهة الأفكار لبعضها البعض داخل رؤوسنا ونخشى الاصطدام المرهق والجهد المطلوب فى محاولة إعادة أنفسنا الى حالة التوازن المزيف الذى نعيشه
فأقرر عدم مشاهدة الفيلم ... لا أسعى الى الضيق ولا أفتقده .. فهو لايفوته الواجب فى معاودتى كل فترة 
لكن القدر لم يشأ إلا أن يمنحنى تلك الصدفة فأدخل الفيلم بدعوة من الأقارب لم يفلح معها الإعتذار

من الغباء أن أجلس هناك مستمعة الى محمد فؤاد واليسا  قبل بداية العرض وانا أقرر ماهية شعورى بعد الفيلم  قبل حتى  أن تنطفىء جميع الأنوار.. ربما أستمتع به ..ربما ..فقط لا يجب أن أتخيل نفسى "أم العُريف"

تفوُق "أحمد حلمى" على نفسه مؤخراً يجعلنى أبحث عن الإستمتاع بأدائه ...أنعام سالوسة ..جميلة ..أراقبها بشغف ... خشيت "ادوارد" وتمنيت أن يقنعنى ..والعجيب أن تحققت أمنيتى..بل أنى رأيته بصورة جديدة تماماً ..قد أكون ظلمته سابقاً ..ضايقنى كثيرا دور عم "هلال"  كان واقعياً لدرجة مخيفة فقد ذكرنى بهولاء الناقمين على كل من هاجر وجرؤ على العودة وكأنها غير مسموحة لهم .. أو هكذا رأيته انا
لست بصدد نقد الفيلم او أبطاله ..لكنى أحاول وصف شعورى قبل الفيلم وخلاله...وبعده

لم أبذل جهدا فى محاولة عدم المقارنة بين "مصرى" اسم أحمد حلمى فى الفيلم وبين أشخاص قريبين إلى قلبى بصورة يصعب وصفها ... لا لعدم وجود تشابه ...بل للتشابه الكبير الذى أقنعنى بالاستسلام للمقارنة
اللكنة التى أجادها ، تحجيم اللغة وعدم المبالغة فى استخدام الانجليزية طوال الوقت .. 
يعتقد الكثير أن عشرين عاما تحول المغترب الى "خواجة" تزين العربية كلماته وليس العكس
لكن الحقيقة أن من عاش بالخارج لفترة طويلة قد يتحدث باللغة العربية التى يتخللها بعض التعبيرات الانجليزية "الغير مقصودة"  أفضل مما يتحدثوه بعض ممن سافر لمدة عامين او أقل فيملأ التلعثم احاديثهم ويظهر على وجوههم الجهد البالغ فى محاولة الترجمة الى أقرب كلمة عربية قد نفهمها نحن الجهلة من وجهة نظرهم .. وكأنها نوع من الوجاهة و"ستايل" أساسى لكل من سافر .. بعضهم لا يقصد ذلك لكن دعنا نقول أن اللغة صبغت حياتهم هناك  ولكنها لا تستقر أبدا بعد العودة ..قد يحتاجوا لوقت أطول حتى يفهموا أنها مجرد" صبغة " ستزول مع الوقت لأنها من الأساس من النوع الغيرثابت 
أما عن الأطفال الذى تربوا وعاشوا بالخارج  ..فمن الطبيعى  أن تعانى مثلهم فى توصيل المعانى المطلوبة فمها بلغت اجادتك للغة   يظل اختلاف اللكنة عاملاً مؤثراً  

لم أسافر ...ولا أعتقد انى سأفعل يوماً
لكنى لطالما تخيلت حال المغتربين حين تنتهى زيارتهم السريعة ليعودوا إلى حيث استقروا
حالة من الشجن العنيف ستنتابنى بلا شك اذا ما صعدت الطائرة فى الجو ورأيت تلك البيوت الصغيرة وهى تزداد صغراً ، والخطوط الملتوية والمستقيمة تتلاشى حتى تختفى تحت السحاب ...
لابد وأنى سأبكى ... حتما سأميل على "الشباك" كما تغنت "فرقة الأصدقاء" لأدارى دمعة فرت من عينى... وأتمنى لو هبطت بى الطائرة من جديد وأعود لعناق أهلى وأصدقائى وربما وددت أن أعود معهم إلى بيتى ولغرفتى بخزانتها مفتوحة الأبواب بعد ان لملمت حاجياتى منها ولم أترك إلا الهدايا وما تبادلته مع اخوتى من أشياء خاصة قد تعيد لنا بوقت ما ذكرى ما أملاً فى أن تظل بها رائحتنا ورائحة الزمان والمكان
أتخيل غرفة كل من سافر كتلك الغرفة ... لابد وان تبعث فيك البكاء ،  حتى لو امتلأت بالناس تظل فارغة ..مهما علت بها ضحكة الصغار أو زينتها ورود ناضجة تظل الوحشة بجوانبها 
ها قد عدت للإسترسال فى أمرٍ آخر بعيدا عن الموضوع .... هذا أكثر ما خشيته كأثر لمشاهدة هذا الفيلم
نعود الى الطائرة ...
فقط كنت سأفكر بكل تلك الامور ودموعى تملأ وجهى ....لكنى بكل تأكيد كنت سأهرع بعد هبوط الطائرة "هناك" أيا كان هذا المكان الى حيث بيتى الثانى وعملى ولأبدأ بمزاولة مهامى المعتادة بشىء من التكثيف لتعويض ما فات أثناء سفرى ... يتخلل كل هذا بعض الذكريات الطازجة لما كان يشبه الحلم "هناك" بوطنى من أيام قليلة
وقد صار "هنا" هو "هناك" والعكس صحيح


أما العودة .... فهو أمر غير منطقى ولا أظنه قد يحدث إلا بفيلم عربى تحقيقا لحبكة درامية مطلوبة نفسيا لدينا كمشاهدين ..حيث لم يرغب صناع الفيلم فى أن يخذلونا 
فقط هذه النهاية هى ما استفزتنى " برغم روعة الفيلم فى المجمل "  فشغلتنى عن تذكر احداث الفيلم الموجعة الكثيرة وأحداثه المضحكة القليلة وعن التدقيق بتفاصيل صغيرة وكبيرة هامة جداً لكنى أغفلت عن تحليلها عن قصد ..وعن دموعى التى تجاهلتها برشفات من العصير وذلك الصوت المضحك الذى يصدر عن فراغ العُلبة واستمرارك فى "الشفط" كى أثير ضحك صغيرتى النائمة من منتصف الفيلم تقريباً    
 لذلك قررت نسيانه تماماً ومحو أثر مشاهدته على نفسى  بمجرد أن خرجت من دار العرض
......
أو فلنقل أنى سأبدأ بعد الانتهاء من هذه التدوينة
......
أعدكم أنى سأحاول
.......