Saturday, November 22, 2008

رشق الأحاسيس


تنظر من نافذة القطار .ملوحة بأيديها لوالديها وأختها الصغيرة
تبتسم محاولة إخفاء دموعها ..فكلما نجحت فى التظاهر باللامبالاة وهدوء الأعصاب أعادها حالهم إلى البكاء من جديد ..لم تؤثر فيها دموع أختها ولا نحيب والدتها بقدر ما أثر كتمان أبيها وتصنعه الإبتسام ..أباها القوى دوما والذى لم تعهد فيه التأثر الشديد من قبل ..كما لم يعتد هو اظهاره لهم.. برأيه أنه ربان السفينة ولابد وأن يكون صلباً كالحديد ليتحمل ضربات أمواج الحياة العالية ورياحها العاتية .. وعليه أن يتشبث بالدفة حتى يسلمها الى ربان جديد لا يقل عنه صرامة وجدية ..الى أزواج بناته .. فقد حرص فى اختيار زوج ابنته الكبرى أن تجتمع كل مقاييس الرجولة والتى تتلخص فى اجتماع ثلاث ..دين وجدية وتحمل جيد للمسئولية ..

سألت .. والحنان!!؟
أجابها .. سيعرف طريقه من خلالهم

والمودة والرحمة!!؟
تسألينى عن قطرة فى بحر
يا بنيتى ذا الدين .تظفر به من رضى عنها ربها

وماذا عن الاحترام والثقة ..الامان والإحتواء!!!؟
أول الغيث قطر ... فلا تقطعى إستسقائك

فى خجل .. والحب!!؟
فى ثقة .. علاقة طردية .. فلتروى نبتته التى يزرعها فى قلبك واغرسى نبتتك فى مقتل ..فى روحه ..فيتنفسك مع هوائه

حتى حين يتحدث أباها عن الحب ..لا يخلو من صرامة الوجه ..
ولكن !!..ما هذا!!؟ ..ها هى دمعة عرفت طريقها على وجنة أبيها ..لم تنجح يده الملوحة بطريقة عصبية أن تسترها ..ها هى دمعته تلمع ببريق الحنان التى طالما اشتاقت إليه .. نهنهة والدتها تجعلها تحول بصرها إليها ..إعتادت البكاء والنحيب لكل صغيرة وكبيرة ..فمنذ اعلان الخطوبة حتى الآن لم يفارقها البكاء .. حتى فى يوم عرسها بالأمس ..هى التى لم تفارق ابنتها طوال حياتها ..عليها الآن أن تتعود سفرها الى القاهرة ..وبالرغم من أن المسافة بين الاسكندرية والقاهرة لا تتعدى الساعات القليلة إلا انها تراها دهراً فى إنتظارها..
خلفهم تقف شقيقتها ووريثة جينات أبيها تبكى فى صمت ..

إنه الشوق الذى يسبق الإشتياق هو ما فطر قلوبهم وقطع نياط قلبها

تميل بوجهها ناحية زوجها لتدارى رعشة تموج بأسفل ذقنها وانفجار عينيها الزائغة خوفاً من المجهول
فيربت على كتفها مطلقا فى عينيها نظرة حنونة جذابة هدأت من ثورة بركان الدموع ..وفى قلبها سهما حمل معه إيحاء بأمان وسكينة افترشا حياتها الجديدة

غاصت فى خيالاتها بمقدار ما غاص كتفها فى يده وعيناها فى عينه..أيقظها إعتراض عجلات القطار على أحلامها المبكرة بدويها الثقيل... وكأنها تُذكرها بأنها لازالت فى الأسكندرية

عليها أن تجيد الوداع أولا ..قبل أن تبدأ إجادة الاستقبال
فحولت وجهها سريعا الى النافذة ..بهرتها نظرية سهام العين المرشقة بما اعتمل فى الصدر فاحترفتها فى ثوان ...ابتسمت ابتسامة عريضة . ومن عينٍ كانت زائغة خوفا من لحظات أطلقت سهماً نافذاً ..رسم فى الهواء عينا ثبت لمعانها واستقر.. ثلاث وجوه قريرة العين ..ووجه ربان مبتسما واثقا.. مثبتاً يديه على عجلة قيادة