Wednesday, February 6, 2013

... تأثير الفراشة


نظرت لى فتاة محل الهدايا من خلال الفاترينة الزجاجية وابتسمت ، بينما كانت تسحب فازة من الرف الأوسط . رددت الإبتسامة قبل أن أدلف للداخل لأسألها لماذا لم تتغير المعروضات من فترة طويلة ، وكان ردّها كعادة البائعين : تعالى بكرة آخر النهار هنجيب حاجات هتعجبك أوى
مرّت من أمامى تلك الفتاة ذات الشعر فائق الطول والذى يكاد يصل لركبتيها .. جميعهن ينظرن إليها وقد اختلطت نظرات الإنبهار، بالغبطة، بالحسد .. بالنسبة لى كانت مراقبة أعينهن أشد متعة ، فلم أفهم حتى الآن مزايا طول الشعر لهذه الدرجة ولم أعرف له فائدة واحدة ، بل أنى أتسائل دومّا كيف لها أن تجففه بعد غسيله كل مرّة .. يالها من مشقة ! ،وكيف لها أن ترفع رأسها فجاة من على الوسادة فلا يؤلمها إذا اكتشفت أن هناك من ينام فوقه هو الآخر ! وهل إذا رفعته لأعلى سيشبه سنام الجمل ! وإذا فكّرت فى ارتداء الحجاب كيف سيكون شكل دماغها وهى تشبه ظهر أحدب نوتردام !؟
.فى النهاية وقفت أمام قسمى المفضل ولم اترك المحل قبل أن أشترى قلم تحديد للشفاه، و توكة شعرجديدة .
يقول زوجى أن استهلاكى وبناتى لاكسسوارات الشعر لا يقل عن استهلاكنا ل اللبن والخبز اليومى
أكملت طريقى ورأسى تدور بها مئات الأفكار .. علىّ أن أشترى هدايا لأعياد ميلاد ،وايشاربًا جديدًا، وبعض ما يملأ الثلاجة بعد أن فرغت تقريبًا أيام الامتحانات .. الأولاد وكأنّهم لا يأكلون إلا فى نصف السنة الدراسية وآخرها حيث فترات الراحة من المذاكرة لا تكون إلا للأكل والصلاة وهى فرصة عظيمة لتمرير البروكلى وسلطة البنجر
يجب الإنتهاء من كل هذا ثم العودة لسيدة الكرفس .. هكذا أطلق عليها حيث أنّها الوحيدة التى تبيعنى الكرفس فى أوقات يندر بها عند الآخرين .. عرفت أن للكرفس فائدة عظيمة لمن أراد إتباع حمية غذائية خاصة، فلو نقص وزنى بعض الشىء سيكون للكاريه القصير مظهرًا أحلى .. أنتظر من سنوات أن أغيّر الديجراديه، رغم أنّه أليق فى هذه الفترة المتخمة بالكالوريزالمتنكرة فى هالة من الدهون تحيط بأجسامنا الأصلية ولا أعرف لماذا يختفى مع تلك القصّة بروز الوجنتين فيبدو وجهى أكثر نحافة كما أتمناه .. لكنّه ليس حقيقى ، فقط الكاريه حقيقى وبسيط ورائع فى ذات اللحظة
أزعم أن جمال المرأة له مقاييس عدّة أحدها أن يتألق وجهها مع الكاريه، ولست بحمقاء لأقوم بالتجربة قبل أن أنحف للدرجة المطلوبة
تلك الفتاة ذات الشعر الطويل بالتأكيد لو أقدمت على قصّه لباتت أجمل ... نظرات الآخرون لخصلاتها الطويلة أفقدت المسكينة قدرتها على التمييز ..
أقف فى الطريق فجأة وكأنّى أباغت الأفكار المزدحمة داخل دماغى لتسقط على الأرض تباعًا فأركض هربًا منها .. تراكمت الأشياء  فوق رأسى وأنا أفكر يالكاريه والديجراديه 
المحل الآخر للهدايا رغم أنّه أبعد وأصغرحجمًا إلا أن السير فى حد ذاته لوجهة معلومة أمر مريح ..تعاودنى الأفكار ويتصدّرها تقصيرى فى الكتابة ، خاصةً بعد عرض لطيف بالمشاركة فى موقع اليكترونى جديد لم أكتب له سطرًا واحدًا أو حتى أتوصل إلى اسم عمود أكتب تحته بشكل دورى ... والحقيقة أن أكثر ما أسعدنى فى هذا الأمر هو إحساسى بوجوب التزامى نحو الكتابة .. ولأنى ابتعدت كثيرًا فوجب عليّ العودة كما نصحنى المقربون
البداية إذا تأخرت كثيرًا تصير النهاية أقرب ..وإن لم أستقر برأى ضاعت فرصتى فى مقاومة كسلى
تأثير الفراشة .. هذا ما ذكره صديق فى سياق كلام متبادل، لم يعرف أنّى كنت قد قتلت تلك النظرية بحثًا حين كنت مولعة بقراءة كل ما يخص الفراشات ... لكنها لم تقنعنى، ففكرة أن كل أمر صغير يحدث ولو تمثّل فى رفة جناح فراشة لا بد وأن يؤدى لأمور أعظم وأكبر ولو كان فى الجهة المقابلة للكرة الأرضية وإن بدا فى زلزال أو بركان أو فيضان ، " وهو ما أذكره من قراءتى للنظرية من الناحية الفلسفية بجانب بعض التفاصيل كاسم العالم "ادوارد لورينز " هى فكرة تعتمد على الخيال الواسع البحت .. فللمنطق دخل بكل أمورنا بالحياة والمقدّرات لن تحوّلها رفرفة جناح .. كيف لنا أن نحمّل تلك الفراشة الرقيقة هكذا أمور وإن كانت مجرد رمز !!؟
 
المحل الثانى يبدو أسخف من الأول .. كل الهدايا تشابهت أو تشابه ذوقى أنا مع الغير متاح
زفرة ضيق تلحظها سيدة وقفت بجانبى فتنظر لى فى فضول طبيعى ... الغير طبيعى أن أرقبها أنا فيذكرنى شعرها بغزل البنات وأتخيلنى بتلك النفشة ثم أضحك على ما رأيته بخيالى ، فتلحظنى مرة أخرى لأتيقن أنها تنعتنى بالجنون الآن

أعود أدراجى غير عابئة بالهدايا ولا برفوف ثلاجتى الفارغة ولا بايشاربى الذى لن أجده بالتأكيد ..
لابد أن الفراشة داخلى ترفرف سعيدة الآن بعد أن أثبتت قدرتها على التأثير، وأن الفتاة صاحبة الشعر الطويل كانت بمثابة رفة جناح الفراشة حين قادتنى إلى هنا .. حيث "إيمان" الكوافيرة تبتسم وأنا أطلب منها قص شعرى .. من قال أن الكاريه لا يليق على الوجه الممتلىء !؟
أبتسم بدورى ثم أغمض عينى عند أجمل جزء .. حين أميل برأسى للوراء فتداعبها المياة الدافئة وأكتشف حينها أن الأفكار الكثيرة لا يجب أن نهرب منها ركضًا .. فقط علينا أن نجعلها تخلد إلى النوم بعد هكذا حمام دافىء فتعاودنا مرتّبة متّسقة ومنسّقة عندما يحين وقتها ..
فقط فكرة أخيرة تومض سريعًا متسائلة وتختفى كشهاب طائر...
ماذا لو أصبح "تأثير الفراشة" هو عنوان عمودى الذى أبحث عنه !!؟
.............................

موقع  "كلامنا" ... هنا   

تأثير الفراشة .. هنا