Tuesday, July 26, 2011

صداقة ..



كان فوزى أول الوافدين على المقهى فى انتظار بقية المجموعة
..تلك التى تكونت على مدار خمس سنوات دراسة بكلية واحدة  ...اجتمعت بهم صفات متشابهة ومتناقضة بشكل يكون علاقة وطيدة بينهم
لم يختلف الحال كثيرا عن سابق خاصةً بالنسبة إلى عادل , فلم يتزوج حتى الآن برغم اتمامه عامه التاسع والأربعين ..يبدو لطيفا مهذبا ..مستريحا
أما خالد فقد تغيرت ملامحه كثيرا ..مر على زواجه حوالى خمس وعشرين عاما ..فقد سمح مستواه الاجتماعى العالى نسبياً بأن يتزوج فور تخرجه من زميلة الدراسة التى أحبها بشدّة طيلة الخمس سنوات واستمر بعدها خمس أخرى ثم اكتفى بذلك .
لم يكن ايهاب أفضل حالاً...فهو ايضا تزوج مبكرا ومل حياته الزوجية لدرجة الطلاق
بالنسبة الى الجميع كان حازم هو مثال الزوج السعيد صاحب الحظ الأوفر على الإطلاق...فقد كانت زوجته ذات الخمس وعشرين ربيعا والتى تزوجها منذ عامين تقريبا كتلك الفتيات اللاتى اعتادوا رؤيتهن فى  الأغانى المصورة او الإعلانات , بجانب ثقافتها الواسعة ولباقتها الواضحة ...وجاذبيتها التى لا تُقاوم
كان ذلك بالطبع هو رأى كل شخص على حدة دون أن يحتاج الى التصريح به ...فهى زوجة صديقهم العزيز لديهم جميعا
أما فوزى فقد كان أول الفارين من زوجته لذلك فضّل الإنتظار ساعة كاملة قبل ميعاد لقائهم على المقهى على أن يقضيها بصحبة زوجته وأولاده الأشقياء

وصل أفراد المجموعة تباعا لم يتأخر أحدهم عدا حازم الذى جاء فى الثانية صباحا
ليلة الجمعة صارت متنفس لهم ..خمس ساعات يقضونها سويا من الثانية عشر منتصف الليل  حتى ساعات الفجر الاولى لليوم التالى كافية لأن يقص فيها  خالد طرائفه الجديدة التى يضحك عليها قبل سردها فيهتز بدنه الضخم بشكل يثير ضحك الجميع قبل أن يفطنوا لما يقصده من نكات غير مباشرة ... ولأن يلخّص فوزى  أخبار السياسة وأهم الأنباء الجديدة على الساحة  بتصور خاص يضفى عليه استنتاجاته المتشائمة دوما .. دائما ينصت حازم لكل ما يحدث دون ابداء رد فعل واضح تجاه ما يسمع
عادل يشارك دائما فى أى حديث بطلاقة العارف بكل الأمور ...ويوفر ايهاب حديثه لمواساة آخر السهرة حين يذكرهم بضرورة حمد الله وشكره على النعم التى يتجاهلوا عن قصد الاعتراف بها فى تلك الليلة وكأنها خُصصت للندب والشكوى والسخرية من أحداث الحياة المتلاحقة 
تعجب الجميع من صمت حازم الزائد فى تلك الليلة ...بدا وجهه متجهما وهو مالم يعتادوه من أزواج الفاتنات
أنكر حازم ضيقه وحاول أن يتهرب من نظراتهم المتسائلة حتى نجح فى إدارة دفة الحديث الى أمر سياسى كان حديث البلد لأيام فانطلق أمير فى مجاله يتكلم بلا توقف ...
وحده ايهاب من شعر بمراوغة حازم  ولكنه آثر الصمت حينها علّه يجد فرصة مواتية لفتح الحديث عن سبب انزعاجه الشديد ...
لم تتاخر تلك الفرصة  فقد انتفض حازم من مكانه بعد دقائق وكأنه تذكر شيئا هاما ..بادر بالاعتذار لأصدقائه قبل أن يبدوا تعجبهم من صديقهم الذى لم يفته لقاء ليلة الجمعة من سنوات فقد كان الأكثر حرصا على هذا اللقاء بل أنه من كان يتشبث بالجلوس حتى بعد آذان الفجر على عكس فوزى وإيهاب اللذان اعتادا المغادرة مبكرا لابتعاد مسكنيهما الشديد عن المقهى
واصل حازم اعتذاره بوعد منه ألا يتأخر الاسبوع القادم ثم انصرف مسرعا ..بعد ثوان تبعه ايهاب بعد اشارة وداع لأصدقائه لم ينتظر ردها
لحق به واضعاً يده على كتفه موضحا له أنه لن يتركه فى تلك الحالة دون أن يفهم ما به
استمرا فى الابتعاد حتى باب سيارته
قبل أن يحاول حازم التملص من  جديد لكزه إيهاب بكتفه فى حركة توددية محذراً إياه من أى محاولة مراوغة أخرى  ..ومذكراً بأنه كان الأقرب له دوماً بين المجموعة وأنه لم يخف عنه أمرا قبل ذلك ...فما الجديد الآن
دلف الى السيارة وأشار له بالركوب ...ابتعد بها صامتا حتى وصل الى تقاطع الطرق الذى يجب أن يتخذ فيه ايهاب طريق مختلف عن طريقه
بدت عيناه زائغة  وظهرت لمعة التوتر بها حين بدأ الحديث باسم زوجته .. تعجب ايهاب وهز رأسه متسائلا ماذا عنها!!؟
صارحه حازم بشكوك ساورته من أيام زادت فى حدتها حتى الأمس ..أشياء لا يحب التصريح بها وعلى الثانى أن يتفهم الموقف ولا يجادله ... لم يشأ أن يستفزه فى تلك اللحظة  يكفيه حرج الموقف ..فاكتفى بسؤاله عن كيفية تصرفه بهذا الشأن ..فأجابه بأنه سيقطع الشك باليقين هذه الليلة ..فهى تعلم أنه لن يعود قبيل الفجر ككل اسبوع وأنها تقريبا فرصتها الوحيدة لخداعه ..لذلك قرر المغادرة فجأة ليحسم الأمر
سألهإاذا كان يحب أن يأتى معه ..فلم يجبه
خرج من السيارة بعد أن ربت على كتفه قائلا ...لا ألومك ..ابحث عن اليقين حتى يستريح قلبك ..أتمنى أن يخذلك  ظنّك 
انطلق حازم بالسيارة ..وسار ايهاب فى طريق المقهى مرة أخرى  ...أخرج هاتفه من جيب السترة ..تحدث الى شخص ما ثم أغلق الهاتف..
وصل الى الجمع , لا يزال بدن خالد يهتزمن الضحك , فوزى يتصفح النت على هاتفه المحمول وينضم الى مجموعات "إحنا آسفين يا فلان ..وصفحات كلنا "علان" 
عادل يشير إلى ماسح الأحذية لتلميع حذائه البراق..
جلس بجانب الأخير ثم أخرج من جيبه هذا الشىء الملفوف بإحكام فى ظرف قاتم اللون ليخبره أنّه لم يعد يحتاج إلى تلك الحبات الزرقاء الآن ..
وربما لفترة طويلة ..