Saturday, September 22, 2012

... طعم النعناع


لم أعلم حتى الآن من وضع تلك المجموعة من معجون الأسنان بعربة المشتراوات .. معجون بطعم الفواكه المختلفة ، ربّما كان عرضًا .. لا يهمنى الأمر ، كل ما يهمنى أن أجد على رفى طعم المنتول القوى ولهم أن يستمتعوا بالفراولة والموز كما يشاؤون

لكنّى فى تلك الليلة التى عصرت فيها أنبوبة معجونى المنتولى على فرشاتى حتى آخر نقطة قررت والرغوة تملأ فمى وأنا آنظر لمرآتى محملقة بملامحى المرهقة أنّها فرصة لاختبار نفسى
لن أقوم غدًا بشراء أنبوبة جديدة وسأعيش كما البشر وأستخدم المعجون المتاح
لابد لى من السيطرة على نفسى وعلى رغباتى المجنونة وإن لم يكن عشقى للمنتول مصنّفًا على هذا النحو ، ربّما تكرار غسيلى لأسنانى ليلًا حتى يصير آخر ما أفعله هو الشعور بالانتعاش بعد شربة من الماء المثلج تلى المنتول فأنام يملأنى شعور لطيف تحبه رئتاى الحساستيّن هو نوع بسيط من الجنون ، ولكنّه لا يدعو للقلق
تملكتنى الفكرة وصارت مقياسى لقدرتى على التحكم برغباتى .. فالحنين يملأنى ويفيض .. إلى كل شىء
أشخاص وأماكن وأوقات ، روائح ونكهات ، صور وأصوات .. حتى الأحلام أحن إلى بعضها
حنينى إلى طعم النعناع الآن يزيد على القائمة .. وإن لم يكن على رأسها
يجلس ابنى الأكبر بجانبى يحكى لى عن أول أيامه بمدرسته الجديدة ,, تنبعث فجأة من فمه رائحة المنتول .. حين رآنى أنظر له بعيون مشتاقة أخرج لى من جيبه علبة النعناع كاملة .. لكن هيهات .. أنا أصر على أن أحرم نفسى حتى أقبل  معجون الفواكه أو أنهار أيهما أقرب
أشد ما أخشاه أن يكون الانهيار حينها إشارة إلى ضعف واستسلام لموجات الحنين المستمرة فى التدفق برأسى المنهكة.. وهو ما لن أقبله 
صارت تلك الانابيب على الرف مآساتى اليومية.. أكرهها وتحرقنى عينى بدلًا من حلقى لحبسها دمعة تحجرت تآبى النزول.. قوية أنا .. والقوى لا تدمع عيناه .. هى لمعة الإنتصار القريب على نفسى بلا شك ..أكاد أضحك ساخرة من حالى لكن أخشى أن تضغط الابتسامة على وجنتى فتضيق عينى بالدمعة ويقتلنى التظاهر
أعتقد أن ملامح وجهى تغيّرت .. صارت أقسى ، حتى انّى بدّلت صورتى على موقع التواصل الإجتماعى بصورة بائسة رسمتها عبثًا لحظة حزن وصبغتها بلون الحنين الغامق ..
حين سألنى أحدهم ما بكٍ ! أخبرته أنى أفتقد النعناع فحسب .. لم يفهم ولم يصدّق .. كذلك أنا لم أصدّقنى
صديقة تشاركنا اليوم بأغنية "حنين" ..أرفع رأسى مرة أخرى ضاحكة .. تعودت رفعها بتلك اللحظات حتى لا أشغلنى بالفرق بين اللمعة والدمعة
كم كنت خائبة حين قررت بدء هذا الإختبار الفاشل .. أجده يدفعنى دفعًا لتنهيدة لن أتحمل تبعاتها .. التنهيدات ليست بالضرورة مريحة .. أغلبها زفرة وجع كامن لا يلبث إلا أن ينتشر كالسرطان
أشتاق إلى حالة الرضا تغزونى.. وبدلاً من المحاولة أجدنى أسجن روحى بهذا الخندق وبتلك الفكرة اللعينة  ثم أسمح لها بالتغلغل للعمق حتى صار التحدّى واجبًا
الحنين إلى الأشخاص والأماكن والأزمنة مارد جبار ، ما أن تفسح له مكانًا خارج القمقم حتى يحيل كل ما حولك إلى أشياء تبعث الذكريات من قمقم آخر ، فتنتشر الخيالات بدماغك وأمام عينيك مسترسلة من قمقم ثالث لتجد نفسك محاطًا بها "كزلع " الأربعين حرامى .. فاحذر سحر الأول الذى سيقودك للأخير عائمًا فى بحر ملوحته تحرق الحلق   
....
 

3 comments:

الطائر الحزين said...

نحن جميعاً مجموعة ذكريات تؤول للحاضر الذى يتركنا بدورة و يفارقنا ليكون لنا ذكرى فى الثانية المقبلة ويشتكل بنا ويتشكلنا الزمن

momken said...

.....

سيدتى جميعنا اسرى لحجات نفوسنا
وليس من الذهد ان نمنع انفسنا عن الحلال
بقدر ما هو تاديب للنفس لتداوم على شكر تلك النعم

استمتعت جداً بحديثك عن النعناع الجبلى البرى
وملاء شذاه صدرى واخت انهم من الهواء المحيط بى كميات اكبر املاء بها صدرى
رائعه طريقتك فى وصف التفاصيل

اهدى اليك اغنيه نعناع الجنينه لمحمد منير


تحياتى

يا مراكبي said...

جميل

بغض النظر عن الإختبار ومدى صحته أو جدواه .. أعنى اختبار مُقاومة النعناع، أو معجون الأسنان بطعن النعناع

للموضوع زاوية أُخرى أراها وهي ذلم التعلُّق الغريب والعجيب بالأشياء، وكأنها تبعث في داخلنا إما ذكريات لأحداث ماضية نشتاق إلى تكرارها، أو أُمنيات نتمنى حدوثها وننتظرها

إنه اختزال الماضي والمستقبل في شيء .. حتى ولو كان .. نعناع